توجد في مجتمعنا السلوكيات القبيحة المنتشرة بين الأولاد، والتي تعد في نظر الإسلام من أقبح السلوكيات التي يجب علينا أن نلاحظها في أبنائنا لنقوم بتقويمها وعلاجها في الوقت المبكر، وقبل أن يشبوا عليها ويصبح من الصعب مقاومتها وعلاجها، لأن تأديب الأطفال في صغرهم، وتعليمهم الأخلاق الحميدة من أنجح طرق التربية السليمة، ولذلك قيل:
قد ينفع الأولاد الأدب في صغر ..... وليس ينفعهم من بعده أدب
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ..... ولا يلين لو لينته الـخشب
فعلى كل أم أن تكون قوية الملاحظة، على ترقب دائم لسلوكيات أبنائها، حتى إذا وجدت خللاً في بعض سلوكياتهم أسرعت لمعالجته في الوقت المناسب. ومن هذه السلوكيات:
الكذب _السرقة _السباب
(1) الكذب
فالكذب من أقبح السلوكيات وأخبثها، لأنه مفتاح الجرائم، وبه تؤتى السيئات، والأفعال القبيحة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((..... وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار..)) الحديث.
وهو صفة ذميمة من صفات المنافقين، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان))، فهي صفة لا تعود على صاجها إلا بالخسارة في الدنيا والآخرة، فمن خسارة الدنيا؛ فقد ثقة الآخرين وبعدهم عنه، وفي الآخرة؛ غضب الله عز وجل ودخول النار.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى اكتساب هذه الصفة بسهولة:
1- القدوة السيئة:
فحينما يجد الطفل من حوله في البيت يتحدثون فيكذبون، ويوعدون فيخلفون، فأنى له أن يتعلم الصدق؟ فكما يقولون: (لا يستقيم، والعود أعوج)، وأيضاً
(إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص)
2- سوء معاملة الآباء:
هناك بعض الآباء لا يحسنون معاملة أطفالهم، فهم ينشرون الرعب في البيت، ويعالجون الأمور بالعقوبات الساخنة والتوبيخ القارع والتشهير والسخرية مما يضطر الأبناء إلى الكذب عند حدوث أي تصرف خاطئ منهم خشية وقوع العقوبة عليهم.
3- قرناء السوء:
ومن العوامل التي تساعد الولد على اكتساب رذيلة الكذب، اختيار رفقاء سوء يلعبون معه، والطفل بطبيعته يحب اللعب، ويقضي معظم وقته مع رفقائه الذين يتصفون بهذا الصفة القبيحة، فيكتسبها منهم.
4- القصص والأساطير الخرافية:
كثير من الأمهات يقصصن على أبنائهن عند النوم قصصاً لا أصل لها من الصحة، وأحيانا يرى الأطفال في التلفاز بعض المشاهد الخرافية، أو يقرأ القصص الذي يأتي به الأهل، أو من المدرسة، ومعظمه يحتوى على قصص خيالية .
طرق المعالجة:
1- امتثال القدوة الصالحة:
فلا يتحدث الآباء إلا بالصدق مزحأ كان أو جدأ، يوفون بوعودهم لأبنائهم للناس، فينتشر الصدق في البيت، وحينها يصعب على الأولاد أن يكذبوا، لأنهم اكتسبوا هذه الصفة من آبائهم، وتعودوا عليها، وإذا حدثت شاذة وكذب الولد فسرعان ما يعود إلى صوابه، ويصدق، لأنه لم يتعود الكذب.
2- إحسان معاملة الأبناء:
لا شك أن معاملة الأبناء بالحكمة والعطف والحنان من الأساليب الهامة الناجحة في تربيتهم، فبالحكمة والموعظة الحسنة ينصحون أبناءهم، وبلين الكلام يدعونهم إلى الخير، ويشعرونهم بأنهم ذوو تقدير واحترام.
فإن ظهر من الأبناء خلق جميل وفعل محمود ينبغي علينا أن نكرمهم ونكافئهم عليه بالهدايا وبالمدح والثناء. وإن حدث منهم تقصير أو مخالفة في بعض الأحوال، فلا ننسى لهم حسن صنيعهم في المرات السابقة، ولا نوبخهم بما لا يليق بهم أمام الناس حتى لا نهتك سترهم. وليكن من الأحسن معاتبتهم سراً بما يتناسب مع طبيعتهم، وكثيراً ما نعف عنهم لصدق حديثهم، فإن في ذلك حافزاً لهم على الصدق دائماً، ونعظم لهم فعلهم بالحكمة وحسن الخلق حتى لا يعودوا إلى فعلهم مرة أخرى. لأن هناك بعض الأولاد تأبى طبيعة تربيتهم سماع اللوم والتأنيب. فبالرحمة واللين والحكمة نصل بأبنائنا إلى أعلى درجات التربية وكما قيل:
إن المرلمط في شرع الهدى رحم بر بمرعيه لا عاقي الخلق
3- اختيار الرفقة الصالحة:
من الأمور الهامة التي يجب أن يتبعها الآباء، هو اختيار الرفقة الصالحة لأبنائهم، وحثهم على ذلك بالقول الحسن والأحاديث النبوية التي تحثنا على ذلك والتي منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك (أي يعطيك)، أو تشتري منه، أو تجد منه ريحاً طيباً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحاً منتنة " [رواه الشيخان].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) [رواه أبو داود والترمذي].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدم من يخالل)) [رواه أبو داود والترمذي].
وذلك لما للرفيق الصالح من تأثير كبير في صلاح أخلاق الأبناء وحسن سلوكهم.
4- اختيار القصص النافع لأبنائنا:
فما أكثر الكتب النافعة في مكتباتنا، والتي تتناسب مع أعمارهم من سيرة، وشعر إسلامي وكتب تنمي عقولهم فكرياً، فما على الوالدين إلا الذهاب للمكتبات، واختيار الكتب المناسبة، والتي تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم، فهم أدرى بذلك من غيرهم.
(2) السرقة
وهذا السلوك أيضاً لا يقل خطورة وسوء عن صفة الكذب، فكما أسلفنا أن الذي يكذب يسهل عليه أن يسرق ويفعل كل محظور.
أسباب انتشار هذه الصفة:
1- عدم اتباع الحكمة في تلبية رغبات الأبناء:
إن الطفل بطبيعة عقله يميل دائماً إلى ما في أيدي الآخرين سواء كانت حلوى أو لعباً أو غير ذلك، وسرعان ما يطلب الطفل من والديه كل ما يراه أو يرغب فيه. وهناك بعض الآباء يعتقدون أن الطفل الذي يلبى له كل ما يطلب يتعود العفة عما في أيدى الآخرين، وهناك فريق آخر يعتقد خلاف ذلك، وهو عدم تلبية رغبات الطفل، تجعله متعففاً عما في أيدي الآخرين، وتكون النتيجة في الحالة الأولى نشأة الطفل على الطمع، والإسراف، وحب الذات، والتطلع الدائم إلى ما في أيدي الناس وأخذه بأي وسيلة، لأنه تعود على نيل كل مطالبه، والنتيجة في الحالة الثانية نشأة الطفل على الحرمان من معظم احتياجاته سواء الأساسية أو غير ذلك، فيضطر إلى أخذ ما في أيدي زملائه سواء كانت أدوات مدرسية أو طعاماً أو لعباً؛ وبهذه الأسباب ينمو عند الطفل سلوك السرقة، والذي إن لم ندركه في الوقت المناسب كان صعباً علينا علاجه.
2- عدم رقابة الأهل:
كثيراً من الآباء والأمهات لا يراقبون أبناءهم ولا يحاسبونهم فيما يجدونه معهم من أشياء جديدة مثل بعض اللعب والنقود، من أين لهم ذلك، فأحيانا يدعي الولد أنه التقطها من الطريق أو أعطاها له أحد أصدقائه، فتصدقه الأم دون أن تتحقق من صدق قوله وخاصة إذا كان الولد كثيراً ما يكذب، وإن اكتشفت الأم السرقة كان أمراً عادياً وكأنه مزحة كاذبة فهي لا تعطى الأمر اهتماماً، بل لا تخبر الوالد بهذا الأمر خوفاً عليه من العقاب، وبهذا يتجرأ الولد على هذه العادة السيئة مرة بعد أخرى، فتنمو هذه العادة السيئة في دمه ويصير محترفاً، وحينها لا ينفع تغيير ولا ندم إلا أن يتوب الله عليه.
3- رفقاء السوء:
كثيراً ما يقوم الأبناء برفقة أصدقائهم باللعب بجانب حدائق الجيران المليئة بالفواكه في غياب صاحب الحديقة، فيلتقطون بعض الفاكهة خفية، وهذا الشيء البسيط مع تكراره يولد في الأبناء حب أخذ متاع الآخرين بغير إذنهم، وللأسف الشديد أحياناً يجد الأبناء تشجيعاً من آبائهم على ذلك، فحينما يعود الولد من الخارج وفي يده فاكهة من حديقة الجيران، فعوضاً عن توبيخ الولد وأمره برد الفاكهة، نجد الأم تشاركه في أكلها وكأن شيئاً لم يحدث.
ولا شك أن الولد حينما يرى من حوله من أصدقاء وأهل لا يعيرون لهذا الأمر اهتماماً بل مشاركة وتشجيعاً، يتمادى في ذلك، والشيء البسيط يكبر مع الأيام وتصير حرفة نعوذ بالله منها.
وعلاجاً لهذا السلوك يجب اتباع ما يلي:
1- الاعتدال في تلبية رغبات الطفل:
يجب علينا أن نوفر ما يحتاج إليه أبناؤنا بالقدر المعقول الذي يجعلهم لا يتطلعون إلى الآخرين بحرمان أو بأنانية وتحكم، وإذا طلب الطفل شيئاً مثل أصدقائه نفهمه أنه لا يليق أن نطلب كل ما نرى في أيدي الآخرين، وأن هذه صفة ذميمة، ثم بعد فترة نحضرها له بغير إشعاره أننا لبينا رغبته، وهذا لكي نشبع رغبة الطفل ولا نشعره بالحرمان، وليكن ذلك أيضاً بالقدر المعقول وحسب إمكانيات الوالدين.
2- امتثال القدوة الصالحة:
يجب دائماً على الوالدين تحري الحلال والحرام في المأكل والمشرب ورد الأمانات إلى أهلها. ومثالاً على ذلك إذا اكتشفنا بعد شرائنا لبعض المتطلبات أن الحساب زاد لصالحنا، فوراً نرده إلى البائع مع إظهار أهمية هذه الأمر لحرمته... وهكذا ينشأ أبناؤنا على صفة الأمانة التي هي من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- المراقبة الدائمة والتوجيه السليم:
دائماً يجب علينا مراقبة أبنائنا في كل تصرفاتهم وفيما معهم، ونسألهم عن كل جديد في أيديهم وندقق المسألة وإذا ما اكتشفنا فعلاً قبيحاً أعظمنا هذا الفعل وبينا عاقبته في الدنيا والآخرة، وأمرناهم بإعادة الحقوق إلى أصحابها،كما يجب علينا تعويد الطفل على الاستئذان في كل ما يرغب أخذه سواء كان من البيت أو خارجه، هذا مع تحفيزهم على أمر الأمانة عن طريق القصص الصالح للسلف، كقصة الراعي الذي رفض بيع الشاة لعمر خوفاً من الله عز وجل رغم غياب صاحب الغنم، والفتاة التي رفضت سماع نصيحة أمها وغش اللبن بالماء خوفاً من الله عز وجل. والقصص في هذا المجال كثير.
4- اجتناب خروج الأولاد في الشارع واختلاطهم بالصحبة السيئة: فاللعب الكثير خارج البيت يؤدي إلى سوء الأخلاق والاجتماع برفقاء السوء والانشغال عن العبادة والدراسة، فحرصاً على تحلى أبنائنا بالأخلاق الحسنة يجب علينا أن نجنبهم الخروج الكثير واللعب.
(3) السباب
كثيراً ما نرى بعض الأولاد يطلقون سباباً وشتائم لا حصر لها، تنفر منها النفوس وتشمئز منها العقول، وترجع هذه الصفات الذميمة إلى ما يلي:
1- القدوة السيئة:
حينما يسمع الأبناء من أبويهم كلمات الفحش والسباب لا شك أنها تتعلق بأذهانهم وترددها ألسنتهم فلا يجدوا من يحاشهم أو يقومهم وأنى لهم ذلك وأبواهم يحتاجان إلى تقويم ومحاسبة، بل إنهم يفرحون عندما يسمعون ابنهم يشتم لأول مرة يطلبون منه ترديدها فرحين ومبتهجين ومفتخرين لأنه كبر ووصل لمرحلة السب، وهذا لا يكون إلا في بيوت انعدمت فيها التقوى والأخلاق الحسنة، أعاذنا الله من ذلك.
2- رفقاء السوء:
كثيراً ما يترك الأهل أبناءهم للعب في الشارع دون قيود ولا حساب ليريحوا أنفسهم من إزعاج الأبناء، فيلتقون بأولاد لا رقيب عليهم ولا مؤدب، وحينها يستمعون منهم ما لا يعد ولا يحصى من الشتائم التي يكرهها الإسلام، فيلتقطونها ويرددونها دون خوف من رقيب أو مؤدب وأنى لهم الرقيب والمؤدب وهم في الشارع، وحينها ينشأون على أسوأ ما يكونون من الأخلاق الفاسدة.
فيجب علينا:
أن نتخلق بخلق المسلم فلا نتلفظ بالألفاظ البذيئة التي يأباها الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي)). [رواه الترمذي]
قوله صلى الله عليه وسلم(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) [الشيخان وغيرهما]
وأن نحد من خروجهم إلى الشارع، ونشغل فراغهم دائماً بالنافع المفيد حتى تنمو عقولهم وتهذب أخلاقهم وينشأوا شباباً وفتيات يمثلون المجتمع الإسلامي في حسن خلق وتربية فاضلة، ويكونوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.